Reassessing US Military Aid to the LAF Ar

إعادة تقييم الدعم الأمريكي للجيش اللبناني

أعداد ديفيد كيلكولين من موقع مونوغراف (دراسة معمقة عن الجيش اللبناني ودوره وفاعليته ونفوذ حزب الله والدعم الأمريكي): افتقاد الهدف .. إعادة تقييم الدعم العسكري الأمريكي للجيش اللبناني

نشرت بالإنكليزية بتاريخ/27 تموز 2022/اضغط هنا لقراءة النص الإنكليزي

 ترجمة موقع المنسقية من الإنكليزية للغة العربية

ديفيد كيلكولين / مونوغراف: افتقاد الهدف .. إعادة تقييم الدعم العسكري الأمريكي للجيش اللبناني

افتقاد الهدف … إعادة تقييم الدعم العسكري الأمريكي للجيش اللبناني

ديفيد كيلكولين / مونوغراف / 27 تموز 2022

إعادة تقييم الدعم العسكري الأمريكي للجيش اللبناني

محتويات

·         مقدمة

·         الهدف والنطاق والمنهجية

·         هل يحسن الدعم الأمريكي من فعالية الجيش اللبناني؟

·         هل يُسعف الدعم الأمريكي الجيش اللبناني لمواجهة وزن حزب الله؟

·         التداعيات على سياسة الولايات المتحدة المستقبلية

·         الاستنتاجات والتوصيات

·         ملحق

مقدمة

قامت الولايات المتحدة بتمويل وتدريب وتسليح الجيش اللبناني بهدف "أن يعمل كثقل مؤسسي مُواجه لحزب الله"، حسبما أدلى به مسؤول رفيع في وزارة الخارجية الأمريكية في شهر آب الماضي. منذ عام 2006، دفع دافعو الضرائب الأمريكيون أكثر من 2.5 مليار دولار كمساعدات أمنية للبنان لإنجاز أربعة أهداف، وفقاً لوزارة الخارجية الأمريكية: "تقوية سيادة لبنان، وتأمين حدوده، ومُواجهة التهديدات الداخلية، وشل مَرافق الإرهاب". المصدر الأساسي (وإن لم يكن الوحيد) لهذه التهديدات الداخلية هو، بالطبع، حزب الله.

يعاني الجيش اللبناني من تخفيضات حادة في ميزانية الدفاع اللبنانية، بسبب الانهيار الاقتصادي الحاصل الذي يقول عنه البنك الدولي إنه "ربما يُعَد بين الأزمات العشر، أو الثلاث، الأقسى على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر". في عام 2020، توقف الجيش اللبناني عن تقديم اللحوم لقواته وسط تفشي النقص في الغذاء. وانخفضت رواتب صغار الجنود إلى 100 دولار فقط في الشهر، أي الى الثُمْن 1/8 من قيمتها قبل الأزمة.

في سبيل المساعدة، عقدت الحكومة الفرنسية مؤتمراً دولياً للمانحين في تموز الماضي "لتعزيز تماسك الجيش اللبناني ومرونته وثباته"، كما قال الباحث آرام نركيزيان. أضافت الولايات المتحدة 15 مليون دولار إلى حزمة المساعدات العسكرية البالغة 105 ملايين دولار الجاري إعدادها للعام 2021 وأعلنت عن 67 مليون دولار أخرى في أيلول. كما طلب البيت الأبيض 160 مليون دولار للسنة المالية الحالية.

يبدو أن المانحين الدوليين ملتزمون بمواصلة أو تعزيز سياساتهم السابقة على الرغم، أو بسبب من، الطبيعة غير المسبوقة للأزمة اللبنانية الراهنة. تستمر الدول المانحة على فعل الشيء نفسه حتى مع ظهور الفرص لزيادة نفوذها وتغيير الديناميات السياسية داخل لبنان، وربما كسر حلقة الاستغلال والفساد والعنف التي جعلت الشعب اللبناني شعباً مُفَقَراً من أمواله ومفتقراً الى أمانه. فبدلاً من الاستمرار بمفاقمة مساوئ الوضع الراهن، يجدر بالمانحين (الدوليين) مراجعة أسس فرضياتهم التي أقاموا عليها سياساتهم.

لذلك حان الوقت للفحص عن كثب عما إذا كانت 15 عاماً من الدعم الأمريكي الحثيث قد مكنت الجيش اللبناني من العمل كثقل مؤسسي مُواجه لحزب الله. لأجل بلوغ تلك الغاية، تبحث الدراسة الحاضرة في الأداء العملياتي للجيش اللبناني منذ عام 2006، بالقياس على الأهداف الأربعة التي حددتها وزارة الخارجية الأمريكية: الدفاع عن السيادة، أمن الحدود، الأمن الداخلي، مكافحة الإرهاب. تشير الأدلة بقوة إلى قيام علاقة تبادلية بين زيادة الدعم الأمريكي وزيادة فعالية الجيش اللبناني في مجال مكافحة الإرهاب، ولكن ليس في المجالات الأخرى. هذا الجواب ليس سوى جواب جزئي، لأن تحسن الأداء القتالي لم يكن كذلك في مجال مُواجهة وزن حزب الله.

"نظرية التغيير" التي تُحَرّك الدعم العسكري الأمريكي تقوم على أن "بناء الجهاز الأمني ​​للدولة اللبنانية سيؤدي الى تحسين الاستقرار الداخلي وثقة الشعب في الجيش اللبناني"، وبالتالي "يخلق مساحة سياسية للحكومة اللبنانية لمعالجة المزيد من القضايا المعقدة والحساسة سياسياً.". تخلص الدراسة الحاضرة إلى أن هذه المساحة المتوخاة لم تتوسع، بل على العكس لقد تقلصت خلال فترة الدعم الأمني الأمريكي المعزّز، والذي تزامن مع زيادة كبيرة في نفوذ حزب الله. تستند الحجة الداعية إلى تقوية الجيش اللبناني في جزء منها إلى فرضية أن الجيش اللبناني هو في حالة تَزَاحُم مع حزب الله على فرض الهيبة والنفوذ.

في الواقع، إن الكيانين مترابطان على أعلى المستويات لأن نفوذ حزب الله على السلطات المدنية اللبنانية واسع للغاية. يمتلك الحزب الارهابي سلطة فيتو حقيقي على اختيار رئيس الوزراء وعلى تصرفات مجلس الوزراء اللبناني. يتمتع تحالف حزب الله بأغلبية في مجلس النواب، وله حلفاؤه العاملين كرئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب.

تشير هذه النتائج إلى أنه يجب على واشنطن أن تتخطى التفكير المقيد بالأزمة في لبنان. استمرت الأزمة في لبنان نحو عامين وهي على الأرجح سوف تستمر. بدلاً من ذلك، لقد حان الوقت الآن لمراجعة إعادة نظر في بنية الدعم الأمريكي للجيش اللبناني، الذي تصورته إدارة مختلفة في ظروف مختلفة جذرياً قبل حوالي 15 عاماً. من الواضح أن دعم الجيش اللبناني لم يمكّنه من العمل كثقل مؤسسي مُواجه لحزب الله. حان الوقت لإعادة تصميم برامج الدعم بهدف ان تحافظ على الاستقرار في لبنان في مواكبة لمشهده السياسي والاقتصادي السريع التغير.

رسم توضيحي لدانييل أكرمان / فدد

الهدف والنطاق والمنهجية

تستكشف هذه الورقة سؤالين مترابطين يؤثران بشكل مباشر على قرارات الكونغرس المتعلقة بتخصيص الدعم العسكري للجيش اللبناني وانسجام السياسة الأمريكية تجاه لبنان ككل

·         ما مدى فعالية أداء الجيش اللبناني للوظائف التي يتم تقديم الدعم الأمريكي لها؟ هل هناك دليل على أن الدعم الأمريكي المعزّز، ولاسيما منذ عام 2006، قد حسّنَ في أداء الجيش اللبناني في مجالات مكافحة الإرهاب، وأمن الحدود، والأمن الداخلي، والدفاع عن السيادة؟

·         هل أصبح الجيش اللبناني أكثر فعالية كثقل مُواجه لحزب الله؟ إلى المدى الذي تحسن فيه أداء الجيش اللبناني، هل أسعفه هذا التحسن ليعمل كثقل مُواجه له؟ أم هل يتعاون الجيش اللبناني مع حزب الله، وإذا نعم، فبأي طرق يحصل هذا التعاون وعلى أي مستوى من القيادة يُتاح له؟

يتناول الجزء الأول من الدراسة السؤال الأول من خلال جمع التقارير المفتوحة المصدر من مصادر لبنانية ودولية متعددة بالإضافة إلى مقابلات المخبرين الرئيسيين التي أجريت مع أفراد في لبنان والولايات المتحدة وأوروبا.

يتناول الجزء الثاني السؤال الثاني حول قدرة الجيش اللبناني على مُواجهة وزن حزب الله. يبدأ بفحص دقيق للنظرية التي يقوم عليها الدعم العسكري الأمريكي للجيش اللبناني. كيف ولماذا يتوقع صانعو السياسة في الولايات المتحدة أن يؤدي تحسن أداء الجيش اللبناني إلى تقليص نفوذ حزب الله؟ بعد توضيح أسس الدعم الأمريكي للجيش اللبناني، يستخدم الجزء الثاني شكلين متميزين من الأدلة لتقييم ما إذا كان الجيش اللبناني يعمل الآن كقيد على حزب الله. أولاً، يقوم بجمع التقارير المفتوحة المصدر بنفس طريقة الجزء الاول. ثم يعتمد على مجموعة من بيانات مواقع الهاتف المحمول المغفلة المصدر، المتاحة تجارياً والتي تُظهر أنماط تَحَرُك الهواتف الإلكترونية المرتبطة بأفراد حزب الله والجيش اللبناني.

يقدم الملحق وصفاً تقنياً كاملاً للبيانات وطريقة التحليل المرتبطة بها ويشرح كيفية تعقيم البيانات لحماية هوية المستخدمين الأفراد. باختصار، تسمح البيانات بإجراء مقارنة موضوعية لأنماط تَحَرُكات أفراد الجيش اللبناني وحزب الله، مما يلقي نظرة فاحصة على سلوك قوات الجيش اللبناني (بخلاف سياساته المعلنة) وكيف تؤكد أو تناقض التوقع المنشود بأن يشكل قوة ثقل مُواجه لحزب الله. على سبيل المثال، هل يحافظ أفراد الجيش اللبناني على حرية الحركة، أم أن بإمكان حزب الله استبعادهم فعلياً من مناطق معينة؟ وتختتم الدراسة بقسم يلخص الملاحظات الرئيسية ويجمعها في مجموعة من الاستنتاجات، ويقدم التوصيات لسياسة الولايات المتحدة تجاه لبنان.

الجزء الاول: هل يُحسّن الدعم الأمريكي من فعالية الجيش اللبناني؟

مع أنها ليست المستفيد الأجنبي الوحيد من الجيش اللبناني، إلا أن الحكومة الأمريكية كانت المستفيد الأكبر إلى حد بعيد، لا سيما منذ عام 2005، عندما أوجبت ثورة الأرز إنهاء الاحتلال السوري للبنان وخلقت فرصاً لتعزيز التزام الولايات المتحدة مع (العاصمة اللبنانية) بيروت. في الوقت نفسه، أقنع عدم الاستقرار الإقليمي الناجم عن حرب العراق صانعي السياسة الأمريكيين بالحاجة إلى التزام أعمق.

كانت القوات الأمريكية جزءاً من قوة حفظ سلام متعددة الجنسيات في لبنان من آب 1982 حتى انسحابها في شباط 1984، بعد أربعة أشهر من انفجار شاحنة مفخخة لحزب الله قتل 241 جندياً في ثكنة مشاة البحرية الأمريكية في بيروت. (ينفي حزب الله مسؤوليته عن التفجير). خلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، أعطى الدعمُ الأمريكي المتواضع الى الجيش اللبناني، واشنطن وصولاً إلى صناع القرار اللبنانيين، فضلاً عن تزويدها بنظرة فاحصة لديناميكيات (قرار) لبنان التي كان من الصعب الوصول اليها لولا ذلك.

وسط فراغ السلطة الذي تركه انسحاب القوات السورية في عام 2005، سعت واشنطن إلى تقوية الدولة اللبنانية العلمانية في مُواجهة القوة المتنامية لوكيل إيران، حزب الله. أشار أحد المراقبين القدامى الى أن "الصراع على لبنان، ما بعد سوريا، كان أيضاً صراعاً حول المهمة المستقبلية والتوجه الأيديولوجي للجيش اللبناني". ان هدف الولايات المتحدة هو بناء دولة لبنانية علمانية قابلة للحياة (أو على الأقل متعددة الطوائف) وجيش لبناني يمتلك القدرة ويمتلك الولاء لتلك الدولة.

بعد حرب إسرائيل وحزب الله عام 2006. وعلى الرغم من نفوذ حزب الله المتزايد داخل الحكومة اللبنانية، بنتيجة تلك الحرب جزئياً -، طلبت إدارة الرئيس جورج دبليو بوش من الكونغرس زيادة التمويل للجيش اللبناني والشرطة اللبنانية، قوى الأمن الداخلي. وافق الكونغرس على الطلب وعلى الزيادات اللاحقة التي حظيت بدعم الحزبين. وكمعدل وسطي​​، منذ عام 2006، قدمت واشنطن لبيروت 200 مليون دولار سنوياً كمساعدات عسكرية واقتصادية، مما يجعل الولايات المتحدة أكبر مانح رسمي للبنان. على الجانب غير الرسمي من دفتر الحساب، ترسل إيران إلى حزب الله ما يقدر بنحو 700 مليون دولار سنوياً. وفقاً لوزارة الخارجية الأمريكية، ساعد استثمار واشنطن التراكمي بأكثر من 2.5 مليار دولار الجيش اللبناني على إنجاز الأهداف الرئيسية الأربعة للبرنامج، وهي "تقوية سيادة لبنان، وتأمين حدوده، ومُواجهة التهديدات الداخلية، وشل مَرافق الإرهاب". على نطاق أوسع، كتبت وزارة (الخارجية الأمريكية): "الشراكة بين الولايات المتحدة والجيش اللبناني تبني قدرات الجيش اللبناني باعتباره المدافع الشرعي الوحيد عن سيادة لبنان". تضمنت النجاحات المحددة للبرنامج، وفقاً للحكومة الأمريكية، ما يلي:

·         تمكين الجيش اللبناني من هزيمة داعش في لبنان، "تنفيذ عمليات ضد تنظيم القاعدة وتوسيع السيطرة على الأراضي اللبنانية على طول حدودها مع سوريا"؛

·         زيادة حضور الجيش اللبناني "في جنوب لبنان للتنسيق مع قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) ودعم تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي 1559 و1680 و1701"؛

·         تمكين الجيش اللبناني من إزالة الأخطار "التي نصبتها داعش لإلحاق الأذى بالمدنيين على طول الحدود اللبنانية مع سوريا وإزالة أخطار المتفجرات على طول الخط الأزرق، وفي شمال لبنان، وجبل لبنان، وتوفير تحسينات مادية حاسمة للأمن وإدارة المخزون لمخازن ذخيرة الجيش اللبناني ".

يتطلب كل ادعاء من هذه الادعاءات تقييما موضوعيا. تعتبر مكافحة الإرهاب المهمة الأولى والأهم، وفقاً للعديد من المحللين الأمريكيين، لذلك يبدأ التقييم من هناك.

أداء الجيش اللبناني في مكافحة الإرهاب

منذ عام 2006، نفذ الجيش اللبناني ثلاث عمليات قتالية كبرى ضد الجماعات الإرهابية داخل لبنان. هذه العمليات هي الحملة ضد فتح الإسلام المرتبط بتنظيم القاعدة في الفترة من أيار إلى أيلول 2007. ومعركة عرسال في آب 2014 ضد دولة الإسلام في العراق والشام (داعش) وجبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة؛ ثم حملة القلمون ضد دولة الإسلام في العراق والشام، وجبهة النصرة- هيئة تحرير الشام، من تموز إلى آب 2017. توفر هذه الحملات الثلاث فرصة لتقييم ما إذا كان الدعم الأمريكي المتزايد منذ عام 2006 قد ارتبط بتحسينات يمكن تلمسها في أداء الجيش اللبناني مع مرور الوقت.

كانت حملة الجيش اللبناني عام 2007 ضد فتح الاسلام عبارة عن اشتباك عالي الكثافة في حرب المدن لمدة 15 أسبوعاً. شملت تسع هجومات برية للجيش اللبناني، باستخدام المدرعات والمهندسين والمدفعية والدعم الجوي، ضد شبكة من نقاط القوة الشديدة التحصين للمتمردين في مخيم نهر البارد للاجئين، ثاني أكبر مخيم فلسطيني في لبنان، بالقرب من مدينة طرابلس الساحلية في الشمال.

شهدت الحملة التي استمرت 105 أيام بعض أعنف المعارك البرية وأشدها تدميراً في لبنان منذ انتهاء الحرب الأهلية في عام 1990. وبحسب (العميد الركن المتقاعد) نزار عبد القادر، فقد مثلت "أعنف معركة خاضها الجيش اللبناني منذ تأسيسه. لقد شكلت اختباراً حقيقياً لوحدة الجيش اللبناني وحِرَفيته العسكرية وقدرته على القتال، بموارد محدودة"، ضد متمردين مدججين بالسلاح متحصنين في مباني متعددة الطوابق مع أنفاق وأسطح ومواقع محصنة تحت الأرض،" وكميات كأن لا حصر لها من الصواريخ والبنادق والعبوات الناسفة وخبرة متميزة في تفخيخ كل الأماكن والأشياء". كانت خسائر الجيش اللبناني كبيرة: قتلت فتح الإسلام وجرحت 576 من أفراد الجيش اللبناني. من جانبها، تكبدت فتح الاسلام مقتل أو أسر 471 مسلحاً. قُتل ما لا يقل عن 67 مدنياً وجُرح عدد غير معروف، بينما أصيب مخيم نهر البارد بأضرار جسيمة وأدى القتال إلى نزوح أكثر من 30 ألف مدني.

وفيما أشاد العديد من المراقبين بعزيمة الجيش اللبناني على القتال في نهر البارد، كشفت المعركة نقاط ضعف عملياتية وتكتيكية عدة للجيش اللبناني. شملت هذه النقاط: نقص الخبرة في القتال عالي الكثافة؛ نقص الذخيرة سوء الصيانة ونقص الوقود لمدرعات الجيش اللبناني من خمسينيات القرن الماضي؛ نقص أسلحة جو- أرض لطائرات هليكوبتر الجيش اللبناني القليلة العدد؛ قدرة محدودة على إجلاء المصابين؛ نقص المدفعية وأنظمة الاستهداف؛ ضعف الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع (ISR)؛ افتقار إلى الذخائر الموجهة بدقة (PGMs) ومعدات الرؤية الليلية وأسلحة القناصة؛ وعدم كفاية الخوذات والدروع الواقية من الرصاص.في الواقع، لقد تفوقت فتح الإسلام بقواها وبتسليحها على الجيش اللبناني في مراحل مختلفة خلال المعركة.

رغم نجاح الجيش اللبناني في النهاية في تطهير المخيم من فتح الإسلام، زاد المانحون الدوليون الدعم بعد ذلك لمعالجة نقاط الضعف هذه. كثفت واشنطن جهودها لتدريب وتسليح وتمويل الجيش اللبناني وأنشأت حضوراً صغيراً للعمليات الخاصة في لبنان. ومع ذلك، فقد ظهرت تحسينات طفيفة خلال الاشتباك القتالي الرئيسي التالي للجيش اللبناني بعد سبع سنوات في معركة عرسال.

في أوائل آب 2014، خاض الجيش اللبناني معركة قصيرة إنما كثيفة ضد جبهة النصرة وداعش في عرسال، وهي مدينة متوسطة الحجم على مسافة ثمانية أميال من الحدود السورية في منطقة بعلبك شمال شرق لبنان. ظهرت المنطقة كطريق لتهريب الأسلحة إلى سوريا بعد اندلاع الحرب الأهلية السورية في عام 2011. في أيلول 2012 وشباط 2013، اشتبك الجيش اللبناني في عرسال مع تنظيم الجيش السوري الحر، وهو تنظيم مُناهض للأسد، كما اشتبك بشكل منفصل، مع فتح الإسلام. وفي عام 2013، أدى هجوم مشترك لحزب الله وجيش النظام السوري إلى تطهير معاقل الثوار على الجانب السوري من الحدود، ودفع الثوار واللاجئين عبر الحدود إلى جَيب عرسال. حوّل هذا الامر المنطقة إلى منطقة دعم للجماعات المناهضة للأسد، بمن فيهم الجهاديون السنة، ونقطة انطلاق للهجمات في سوريا. في الوقت نفسه، استغلت الجماعات الجهادية السنية في سوريا، بمن فيهم تنظيم القاعدة وداعش، ممر عرسال لتهريب السيارات المفخخة إلى لبنان لاستخدامها ضد المدنيين اللبنانيين في المناطق السكنية الشيعية.

هكذا، شكّل جَيب عرسال تهديداً لكل من الحكومة اللبنانية ومصالح حزب الله وحلفائه في دمشق. كان هذا الجيب أيضاً بمثابة منصة انطلاق هجمات على المصالح الإيرانية، والتي استهدفها الجهاديون انتقاماً من دعم طهران لبشار الأسد الرئيس السوري. تضمنت هذه الهجمات تفجيرين انتحاريين مزدوجين استهدفا السفارة الإيرانية في بيروت في تشرين الثاني 2013، وتفجير مركز ثقافي إيراني في ضاحية بئر حسن في بيروت في شباط 2014، وأعلن تبني مسؤوليتهما حليف لتنظيم القاعدة في لبنان، كتائب عبد الله عزام.

لمُواجهة التهديد المشترك، نسق الجيش اللبناني وحزب الله والمخابرات السورية جهودهم عن كثب منذ عام 2012 إلى عام 2014. وقد شملت إطلاق حملة إعلامية شاملة موجهة إلى المجتمع السني في لبنان لتثبيط دعم الإرهاب، فضلاً عن جهود عسكرية تضمنت شن عمليات قتل مركزة في داخل وفي جوار عرسال.

في تموز 2014، قصف الجيش اللبناني الجهاديين بالقرب من عرسال بالتنسيق مع حزب الله وجيش النظام السوري. أغلق حزب الله الطرق شرقي عرسال ونشر قواته في القرى الشيعية غربي المدينة، بينما شن سلاح الجو السوري غارات جوية عبر الحدود على لبنان وتَحَرَكَ الجيش اللبناني لتطهير المنطقة. كما أشار أحد المراقبين، إن "مزيج تَحَرُكات الجيش اللبناني وجيش النظام السوري وحزب الله يؤشر إلى جهد مُنسّق عبر الحدود لعزل الثوار في مدينة عرسال. كما تأكد التنسيق بين الجيش اللبناني وحزب الله في مقطع فيديو يظهر قافلة من مركبات حزب الله تمر عبر نقطة تفتيش تابعة للجيش اللبناني في طريقها إلى عرسال دون توقيفها أو تفتيشها ". يُناقض هذا الدليل ادعاء وزارة الدفاع اللبنانية بأن الجيش اللبناني كان يعمل لوحده على انفراد.

ردت داعش وجبهة النصرة بهجوم شامل النطاق على عرسال. في 2 آب 2014، هاجم أكثر من 700 مُقاتل المدينة واستولوا عليها يدعمهم إرهابيو داعش في طرابلس. في أعقاب هجوم داعش الخاطف، بلتز كريدج، عبر العراق وسوريا من أيار إلى تموز 2014، صاغ الجيش اللبناني إطار السيطرة على عرسال كخطوة أولى لاحتمال تَمَدُد داعش الى المناطق ذات الأغلبية السنية في لبنان. قاتَلَ مغاوير الجيش اللبناني ولواء المشاة الثامن في الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي طوال خمسة أيام لاستعادة المدينة، وتكبدوا مقتل 20 شخصاً وجرح 85 وأسر 49 - تم إعدام 13 منهم على أيدي المسلحين. أعاد الجيش اللبناني السيطرة على عرسال في نهاية المطاف بعد أن توسط بعض مشايخ السنّة في صفقة أدت إلى إجلاء الثوار وإطلاق سراح بعض أسرى الجيش اللبناني الباقين على قيد الحياة. وظل أسرى آخرون في عداد المفقودين.

بينما حققت عملية عرسال هدفها في النهاية، كانت خسائر الجيش اللبناني كبيرة نسبياً قياساً على حجم ومدة الاشتباك. استعاد الجيش اللبناني السيطرة على المدينة بعد أن توسط حزب الله في "اتفاق للإخلاء". بصورة عامة، أظهرت المعركة تحسناً طفيفاً في قدرات الجيش اللبناني من الناحية التكتيكية عما كان عليه في عام 2007 ومن دون إحراز أي تقدم لمواجهة وزن حزب الله من حيث النفوذ السياسي. في الواقع، لقد استمر تعاون الجيش اللبناني مع حزب الله ضد المسلحين السنة منذ 2015 إلى 2017. فعلى سبيل المثال، شيد الجيش اللبناني خلال هذه الفترة، العديد من نقاط المراقبة والمواقع المحصنة في جميع أنحاء المنطقة للمساعدة في السيطرة على التضاريس ومنع التَحَرُك عبر الحدود. أدى ذلك إلى تعزيز أمن الحدود اللبنانية، ولكنه دعم أيضاً جهود حزب الله في دعم نظام الأسد، من خلال إزالة التهديد من الحدود الغربية لسوريا.

رسّخت أحداث عرسال أيضاً رواية حزب الله السياسية. وكما لاحظت المحللة الإقليمية لينا الخطيب في ذلك الوقت، فقد قاتل الجيش اللبناني الجماعات السنية المناهضة لحزب الله، وتم تصوير تلك الجماعات على أنها التهديد الأساسي، مع تجاهل دور حزب الله كمغناطيس يجتذب الجهاديين السنة إلى لبنان. أضافت الخطيب أنه بسبب ضعف الجيش اللبناني "عزّز حزب الله شرعية سلاحه واعتبره كأنه شرط أولي من أجل وجود لبنان". هكذا، بدلاً من العمل كثقل مُواجه (لحزب الله)، لقد ضاعف الجيش اللبناني من نفوذ حزب الله.

وقعت الاشتباكات التكتيكية الأوسع والأحدث بين الجيش اللبناني والمنظمات الإرهابية السنية خلال هجوم القلمون منذ أيار إلى آب 2017، حيث نفذ الجيش اللبناني وحزب الله عمليات متوازية لتطهير المناطق المحيطة بعرسال ومحافظتي بعلبك- الهرمل والبقاع من المسلحين السنة.. بالتزامن، شن جيش النظام السوري هجوماً في تلال القلمون على الجانب السوري من الحدود. رعى حزب الله، من خلال أحد حلفائه في أجهزة الأمن اللبنانية، اتفاق وقف إطلاق النار الذي شهد انسحاب جبهة النصرة (بمسمى هيئة تحرير الشام) ومُقاتلي داعش إلى سوريا، بينما أمّنَ لبنان السيطرة على مناطقه الحدودية المتنازع عليها للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية.

خلال هذه الحملة، عمل الجيش اللبناني على نطاق واسع، حيث أرسل ما يصل إلى 7000 جندي، وعلى مستوى عالٍ من التطور، قام بحرب مناورة أسلحة مشتركة عبر تضاريس جبلية متداخلة ومأهولة بالسكان. وصف أحد المراقبين المتمرسين المعركة بأنها "أكثر عمليات [مكافحة الإرهاب] كفاءة للجيش اللبناني منذ نهاية الحرب الأهلية 1975-1990، [والتي] أظهرت مدى تحسن قدراته منذ مشاركته الرئيسية الأخيرة بمكافحة الإرهاب في عام 2007" في نهر البارد.

اعترف قادة الجيش اللبناني والزعماء السياسيون اللبنانيون بحملة عام 2017 كفرصة لعرض قدرات الجيش اللبناني المحسّنة بعد عقد من الدعم الأمني الأمريكي المعزّز. ولكن، حزب الله لعب دوراً محورياً مرة أخرى. شن الحزب حملته الخاصة ضد هيئة تحرير الشام في تموز بالتنسيق مع القوات السورية على الجانب الآخر من الحدود. سيطرت هيئة تحرير الشام على 35 ميلاً مربعاً داخل لبنان إلى الشرق والجنوب الشرقي من عرسال، حيث تم نشر 400 مُقاتل في مواقع دفاعية وكهوف ومخابئ ومراكز مراقبة على قمم الجبال. هزم هجوم حزب الله – من قوات خاصة ومشاة ومهندسين ومدفعية - هيئة تحرير الشام في معركة استمرت خمسة أيام، وحقق نصراً سياسياً - عسكرياً لحزب الله بينما بقي الجيش اللبناني إلى حد كبير على هامش الأحداث. استخدمت وحدات مدفعية الجيش اللبناني مَدَافع الهاوتزر التي قدمتها الولايات المتحدة في الاشتباك مع مُقاتلي هيئة تحرير الشام الفارين إلى عرسال، الأمر الذي سجل للجيش اللبناني لعب الدور الداعم فقط.

أثار تهميش الجيش اللبناني قلق الرعاة الدوليين، وخاصة الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة. وربما بنتيجة هذا القلق، شن الجيش اللبناني هجوماً على تجمع دفاعي كبير لداعش خلال المرحلة الثانية من حملة القلمون. استخدم الجيش اللبناني هجوماً جوياً وأفواج المغاوير والذخائر الموجهة بدقة والاستخبارات والمراقبة والاستطلاع الواسع والطائرات والمدفعية والعربات المدرعة الحديثة، بما فيها الجرافات المدرعة، في مناورة أسلحة مشتركة. أثبت الجمع بين الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع الجوي والأرضي والذخائر الموجهة بدقة فعالية كبيرة، حسبما لاحظه المراقبون الدوليون والمحليون معاً. تضمنت الذخائر الموجهة بدقة قذائف مدفعية موجهة من نوع كوبرهيد عيار 155 ملم وصواريخ هيل فاير أ ج أم-114 تم إطلاقها من طائرات سيسنا أ سي 208، حسبما استهدفته قوات العمليات الخاصة للجيش اللبناني على الأرض.

ولكن ظهور التنسيق - بتشجيع مقصود من حزب الله - بين جنود الجيش اللبناني وحزب الله قوض ادعاء الزعماء اللبنانيين بأن الجيش يستعيد سيادة الدولة ويؤمن حدود البلاد. أشاد حسن نصر الله، زعيم حزب الله، بالجيش اللبناني بعد العملية، وصفه بأنه شريك لدى حزب الله، وأنه ركيزة للأمن اللبناني. أشار نصر الله بصيغةِ استعلاء أن الجيش اللبناني لعب دوراً أساسياً لدعم "تسجيل هذا النصر". عزز حزب الله الانطباع بأن موقع الإمرة هو طوع يديه عندما توسط أحد حلفائه في أجهزة الأمن اللبنانية في صفقات مع هيئة تحرير الشام وداعش، سمحت للمسلحين بالهروب إلى الأراضي السورية.

في ساحة المعركة، أحدث الدعم الأمريكي فرقاً واضحاً. ولكن الفضل في الأداء القتالي المحَسَّن للجيش اللبناني أُعطيَ الى حزب الله. لقد تعاون الجيش اللبناني مع حزب الله، وكان دوره في الغالب دور الشريك الأصغر. ركزت مكافحة الإرهاب في الجيش اللبناني بشكل شبه كامل على الجماعات الجهادية السنية، مع جهد قليل لمواجهة أو لمزاحمة حزب الله. أصبح الدور الثانوي للجيش اللبناني أكثر بروزاً في المهمة الثانية المرتبطة بالدعم الأمريكي - تلك المتعلقة بأمن الحدود وإنفاذ قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالتعاون مع اليونيفيل.

أمن الحدود وإنفاذ قرارات مجلس الأمن

بموجب سلسلة من قرارات مجلس الأمن الدولي، تم تكليف الجيش اللبناني بالعمل مع اليونيفيل لتأمين الحدود الجنوبية للبنان المتنازع عليها مع إسرائيل. تتمثل مهمة الجيش اللبناني في الحفاظ على منطقة "خالية من أي مسلحين وأعتدة وأسلحة إلا تلك التابعة للحكومة اللبنانية واليونيفيل" بين الخط الأزرق (خط فض الاشتباك الذي تراقبه الأمم المتحدة) والليطاني، النهر الرئيسي في جنوب لبنان. يهدف هذا البند إلى تثبيت وقف إطلاق النار الذي ترعاه الأمم المتحدة والذي أنهى الحرب بين إسرائيل وحزب الله في عام 2006 من خلال إنشاء منطقة عازلة عبر جنوب لبنان خالية من حضور حزب الله. يرتبط جزء كبير من الدعم الأمريكي للجيش اللبناني بهذه المهمة. كما سبقت الإشارة، تدعي وزارة الخارجية الأمريكية أن التعاون مع اليونيفيل كان محسّناً باعتباره نجاحاً ملحوظاً لبرنامج الدعم. ولكن الأدلة تؤشر إلى عكس ذلك.

بعد حرب عام 2006، أجاز قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 زيادة عدد عناصر اليونيفيل الأرضية ستة أضعاف، وأصدر توجيهاً يستحدث قوة بحرية جديدة بموجب تفويض اليونيفيل، وخلق توقعاً بأن يزيد الجيش اللبناني من حضوره زيادة كبيرة في المنطقة العازلة. كان على الجيش اللبناني أن يُسيّر دوريات إلى جانب اليونيفيل الموسّعة حديثاً، وأن ينشئ نقاط تفتيش مشتركة وتدابير سيطرة، وأن يمنع تسلل مُقاتلي حزب الله أو إدخال أسلحة حزب الله إلى المنطقة. خلقت المهمة الجديدة "تزاحم أولويات للجيش اللبناني [وهو] المقيد تقليدياً بقلة الأفراد والمعدات... وبالتالي، فلقد جاء تفويض القرار 1701 [يفرض] إعادة تحديد أولويات الجيش اللبناني... رغم الندرة الحالية في أعداد الأفراد والمعدات".

مع امتداد الحرب في سوريا إلى لبنان منذ عام 2011 إلى عام 2017، كان على الجيش اللبناني أن يتمدد بالفعل لتنفيذ مهامه المتزامنة في مكافحة الإرهاب وأمن الحدود. قد يصح القول إن الدعم الأمريكي المتزايد أتاح للجيش اللبناني نشر مركبات وأسلحة وطائرات ووحدات أرضية إضافية لمهمة مكافحة الإرهاب مع الحفاظ على حضوره إلى جانب اليونيفيل. ومع ذلك، تشير الأدلة المتوفرة إلى أن الحضور المتزايد للجيش اللبناني في منطقة اليونيفيل أدى إلى التراجع وليس الى التحسن في تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701. كان الجيش اللبناني يغض النظر غالباً عن نشاط حزب الله في المنطقة العازلة، يعاون حزب الله، ويعيق تحقيق اليونيفيل في النشاط المسلح غير القانوني.

في أواخر عام 2018، أطلق الجيش الإسرائيلي عملية درع الشمال لهدم الأنفاق التي حفرها حزب الله من لبنان إلى شمال إسرائيل، وكشف في النهاية عن ستة أنفاق. يُفصّل تقرير للأمم المتحدة مثالاً توضيحياً:

في 24 كانون الأول، قام الجيش الإسرائيلي بتحييد الأنفاق في المطلة، جنوب كفركلا، عن طريق صب الإسمنت السائل عبر الفتحات [التي ظهرت في الأراضي التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي] جنوب الخط الأزرق. بعد يومين، لاحظت اليونيفيل وفريق المراقبين في لبنان تسرب الأسمنت السائل من أماكن عمل (كانت مصنع خرسانة سابقاً ومزرعة دواجن حالياً) في كفركلا، على بعد حوالي 100 متر شمال الخط الأزرق. عندما ظهر الإسمنت مرئياً شمال الخط الأزرق، أغلق أفراد يرتدون ملابس مدنية الطرق المؤدية إلى المبنى، مما أعاق اليونيفيل من مراقبة الموقع بشكل ملائم ...

لم يسمح الجيش اللبناني فيما بعد بالدخول إلى المبنى باعتباره يمثل ملكية خاصة. ورغم الطلبات المتكررة الى السلطات اللبنانية، لم يُسمح لـ [اليونيفيل] بدخول المبنى. في 29 كانون الأول، أكدت اليونيفيل في بيان لها أن المصنع كان لديه فتحة الى النفق، الذي تجاوز الخط الأزرق [في] خرق للقرار 1701 ... حثت اليونيفيل السلطات اللبنانية لإجراء المتابعة الفورية وفقاً لالتزامات لبنان بالقرار 1701 (2006). حتى الآن، لم تظهر أية إجراءات متابعة من السلطات اللبنانية فيما يتعلق بالأنفاق.

هذا الحادث هو مثال واضح بشكل خاص عن نمط أوسع، أفادت عنه تقارير اليونيفيل وغيرها من المطلعين على المنطقة على مدى سنوات. ذكر المحلل الجنرال الإسرائيلي المتقاعد عساف أوريون بشأن حادثة صب الإسمنت، أن اليونيفيل "تنسق عملياتها مع الجيش اللبناني، والذي بدوره ينسق مع حزب الله". تمنع الحكومة اللبنانية اليونيفيل من دخول المواقع (المشتبهة بـ) غير المشروعة، في المناطق السكنية أو "المحميات الطبيعية" بحجة "الملكية الخاصة" والحقوق الفردية". يلعب الجيش اللبناني "دوراً نشطاً في تمويه العمليات العسكرية المحظورة لحزب الله".

وكذلك منعت وحدات الجيش اللبناني محققي اليونيفيل من التحقيق في الحوادث، بما في ذلك عدة حوادث - يعود تاريخها إلى 2007 و2011 و2014 - أصيب فيها جنود حفظ السلام تابعون لليونيفيل أو قُتلوا. وفي الآونة الأخيرة، منع قادة الجيش اللبناني اليونيفيل من تركيب كاميرات في نقاط المراقبة الثابتة، مشيرين إلى "مخاوف محلية". في ظل هذه الظروف، قد يؤدي الحضور المتزايد للجيش اللبناني في المنطقة الحدودية، بفضل الدعم الأمريكي المعزّز، إلى أخذ الأمور نحو الأسوأ وليس الأفضل.

أخيراً، مع تنامي قدرات حزب الله الصاروخية، تزداد قدرته على الاشتباك مع أهداف إسرائيلية في البر أو البحر - بما فيها على الأرجح ذخائر موجهة بدقة - بدون (الحاجة الى) دخول المنطقة العازلة التي تخضع لدوريات اليونيفيل جنوب الليطاني. هذا يقوض علة وجود قرار مجلس الأمن رقم 1701. خلال 34 يوماً من حرب إسرائيل وحزب الله في عام 2006، أطلق الحزب 4000 صاروخ على إسرائيل من إجمالي مخزون يبلغ حوالي 15000. منذ ذلك الحين، قام حزب الله - اللاعب الأكثر تسليحاً من غير الدول في العالم والمُصنف كجماعة إرهابية وفقاً لـ 26 دولة ولمؤسسات دولية متعددة – بمضاعفة مخزونه بأكثر من ثمانية أضعاف، إلى ما لا يقل عن 130،000 صاروخ. تشمل ترسانة حزب الله الآن صواريخ مضادة للسفن، وصواريخ أرض جو، وصواريخ مضادة للدبابات، وصواريخ هجوم بري ذات مدى ودقة متزايدة.

تقع عدة مواقع رئيسية لقدرات حزب الله الصاروخية الموسعة شمال الليطاني وبالتالي خارج منطقة مسؤولية اليونيفيل. يتم تصنيع أنظمة التوجيه الدقيقة لصواريخ حزب الله في بيروت، وفقاً لمحللين إسرائيليين، بينما توجد مواقع إطلاق صواريخ كروز ياخونت المضادة للسفن والتابعة لحزب الله في ضواحي بيروت الشمالية. تعتبر إسرائيل امتلاك حزب الله ذخائر موجهة بدقة قادرة على ضرب الأراضي الإسرائيلية أو اعتراض تجارتها البحرية بمثابة "خط أحمر". وبما أن حزب الله يستطيع الآن بناء وإطلاق مثل هذه الصواريخ دون دخول المنطقة الواقعة جنوب الليطاني، فإن استمرار الدعم الأمريكي لمهمة الجيش اللبناني بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1701 لا يفعل الا القليل لخفض مخاطر اندلاع حرب أخرى حتى لو كان الجيش اللبناني يلتزم بالتزاماته. بعبارة أخرى، قد يكون الدعم الأمريكي للجيش اللبناني وقرار مجلس الأمن 1701 قد وفر فقط الوقت والغطاء السياسي لحزب الله لتطوير قدرات صاروخية جعلت اتفاق ما بعد عام 2006 يصبح اتفاقا عفا عليه الزمن.

برامج إزالة المتفجرات من مخلفات الحرب وتدمير الأسلحة التقليدية

حددت وزارة الخارجية الأمريكية برامج إزالة المتفجرات من مخلفات الحرب (ERW) وتدمير الأسلحة التقليدية (CWD) على أنها النجاح الرئيسي الثالث الذي يكون الدعم الأمريكي للجيش اللبناني قد أنتجه. ان دور الجيش اللبناني في هذه البرامج محدود، لأن وزارة الخارجية الأمريكية تمول وتدرب العديد من المنظمات غير الحكومية ومجموعات المجتمع المدني في مختلف أنحاء لبنان لتنفيذها وتقديم المساعدة الطبية والتدريب المهني للناجين من الألغام الأرضية. الولايات المتحدة هي أكبر مانح لبرامج إزالة المتفجرات من مخلفات الحرب وتدمير الأسلحة التقليدية في لبنان، حيث أنفقت 82 مليون دولار منذ عام 1998. تزايَدَ التمويل السنوي بشكل ملحوظ بعد عام 2015 ردا على انتشار العنف - بما في ذلك انتشار الذخائر غير المنفجرة والعبوات الناسفة - من سوريا إلى لبنان.

وفقاً لوزارة الخارجية الأمريكية، قدم جزء الجيش اللبناني من البرنامج "تحسينات لهذا المرفق وإصلاحات عاجلة في مستودعات الذخيرة التابعة للجيش اللبناني، وتدريب طاقم إدارة الذخيرة على أفضل ممارسات إدارة المخزون، وتقييم المواقع للحصول على دعم مستقبلي احتمالي". كما قامت "بتدريب وتقديم 13 كلباً لكشف الألغام والمتفجرات للجيش اللبناني". سمح هذا الدعم للمهندسين العسكريين وكلاب كشف الألغام في الجيش اللبناني بتقديم المساعدة الى الجمعيات والمنظمات غير الحكومية في إزالة المتفجرات من مخلفات الحرب أو التخلص منها. على الرغم من صغر حجمها نسبياً، إلا أن برامج إزالة المتفجرات من مخلفات الحرب وتدمير الأسلحة التقليدية كانت مفيدة. تحسنت قدرات الجيش اللبناني على إزالة الألغام؛ مدربو الكلاب في الجيش اللبناني يتدربون مع اليونيفيل ويدعمون برامج إزالة الألغام المدنية؛ تقلصت مساحة الأراضي اللبنانية المتضررة بالألغام. يمكن القول إن التحسينات في تخزين الذخيرة وتسليمها قد خففت من مخاطر الحوادث وسرقة المتفجرات من منشآت الجيش اللبناني.

ومع ذلك، يعتبر بعض المحللين أن مركز الجيش اللبناني لإزالة الألغام الأرضية والذخائر العنقودية – وهو مستفيد غير مباشر من التمويل الأمريكي - يعاون تنظيمات إزالة الألغام التابعة لحزب الله. يُحكى أن هذه التنظيمات المرتبطة بحزب الله توفر غطاءً لجمع وتخزين الذخيرة وتدعم استراتيجية "الدروع البشرية" لحزب الله المتمثلة في وضع المنشآت العسكرية ومواقع تخزين الأسلحة في مناطق مأهولة بالسكان. ونظراً للحجم الصغير نسبياً للدعم الأمريكي لبرامج إزالة المتفجرات من مخلفات الحرب وتدمير الأسلحة التقليدية في لبنان، ولتشتت هذا الدعم عبر منظمات متعددة، لا ينبغي تحميل الفوائد الظاهرة للبرامج ولا لاستغلالها من حزب الله المحكي عنه، وزنا أكبر من وزنها عند تقييم الدعم العسكري الأمريكي للجيش اللبناني.

التأثير العام للدعم الأمريكي على فعالية الجيش اللبناني

تؤشر الأدلة إلى قيام علاقة بين زيادة التمويل الأمريكي وتحسين فعالية الجيش اللبناني. لكن هذا التحسن قد لا يصب في خدمة المصالح الأمريكية.

خلال حملة القلمون عام 2017، نفّذ الجيش اللبناني مناورة أسلحة مشتركة واسعة النطاق فوق تضاريس وعرة، في تناقض حاد مع أدائه السابق في عرسال عام 2014 ونهر البارد عام 2007. ومع ذلك، خلال حملة عام 2017، عمل الجيش اللبناني بصورة متوازية مع حزب الله وجيش النظام السوري، كما فعل قبل ثلاث سنوات في عرسال. وفي عام 2017 أيضاً، أبرم أحد حلفاء حزب الله الاتفاقات مع المسلحين السنة التي أنهت الاشتباك.

فيما يتعلق بأمن الحدود، ساعد الدعم المعزّز الجيش اللبناني على إدارة تزاحم (أولوياته) مهامه في الانتشار في جنوب لبنان مع قيامه بعمليات مكافحة الإرهاب على طول الحدود السورية. ولكن، الجيش اللبناني أعاق مراراً أنشطة اليونيفيل، وبالتالي عزّز مصالح حزب الله. تُسعف جهود إزالة الألغام التي يقوم بها الجيش اللبناني على حماية المدنيين ولكنها قد تُسهم أيضاً في استخدام حزب الله لهم دروعا بشرية.

لذلك وفيما تدلي وزارة الخارجية الأمريكية أن شراكة واشنطن مع الجيش اللبناني "تبني قدرات الجيش اللبناني كمُدافع شرعي وحيد عن سيادة لبنان"، إن تقوية الجيش اللبناني قد عزّزت بشكل غير مباشر من قدرات حزب الله على ممارسة سلطات كان من المفترض أن لا تخضع إلا للسيادة اللبنانية.

الجزء الثاني: هل يُسعف الدعم الأمريكي الجيش اللبناني لمواجهة وزن حزب الله؟

إن برنامجَ دعمٍ مخططاً بدقةٍ، يجب أن يحدد معالم "نظرية التغيير" (TOC) التي تربط التأثير الملحوظ للدعم مع النتائج السياسية المنشودة الأوسع.

يبدأ الجزء الثاني (من هذه الدراسة) بفحص "نظرية التغيير" التي تربط التحسينات في قدرات الجيش اللبناني بالهدف الاستراتيجي المتمثل في تحويل الجيش اللبناني إلى ثقل مُواجه أكثر فعالية لحزب الله.

بعد توضيح "نظرية التغيير"، يعتمد هذا الجزء الثاني على مقابلات الخبراء وتقارير المصادر المفتوحة لتقييم صلاحية النظرية. تنتقل الدراسة بعد ذلك إلى مجموعة جديدة من الأدلة - بيانات مواقع الهاتف المحمول المغفلة المصدر – تقدم منظوراً فريداً عن العلاقة بين الجيش اللبناني وحزب الله.

ما هي "نظرية التغيير" الأمريكية بالنسبة للجيش اللبناني؟

إن بناء الإجراءات حول "نظرية تغيير" واضحة المعالم هو أفضل ممارسة لبرامج الدعم الأجنبية. على سبيل المثال، تنص "نظرية التغيير" لبرنامج الأمم المتحدة لخلق الاستقرار والتعافي في لبنان على أنه "إذا جرى دعم حكومة لبنان لتقوم بتوفير تقديمات محسّنة للخدمات الأساسية والفرص الاقتصادية والأمن، على المستويين الوطني والمحلي، فسيتم تعزيز قدرات لبنان للتعامل مع الأزمة [الاقتصادية الراهنة] والمحافظة على الاستقرار الاجتماعي لأنه يسد احتياجات المجتمعات الضعيفة "(الموجه الدعم أصلاً اليها).

وبالمثل، تطلب وزارة الخارجية الأمريكية من المشاركين في برامجها المتعلقة بسيادة القانون والمجتمع المدني في لبنان اقتراح "نظرية تغيير" مُقْنِعة تربط الأنشطة مباشرة بالنتائج المتوخاة من المشروع". تستخدم وزارة (الخارجية الأمريكية) أيضاً تحليل "نظرية التغيير" لتقييم برامج الدعم في مكافحة الإرهاب.

ما هي إذن "نظرية التغيير" التي تحدد أسس الدعم الأمريكي للجيش اللبناني كثقل مُواجه لحزب الله؟ على الرغم من عدم ذكر ذلك صراحةً، يبقى من الممكن استخلاص ذلك من البيانات الرسمية المختلفة.

"نظرية التغيير" التي تُحرّك الدعم العسكري الأمريكي تقوم على أن "بناء الجهاز الأمني ​​للدولة اللبنانية سيؤدي الى تحسين الاستقرار الداخلي وثقة الشعب في الجيش اللبناني"، وبالتالي "يخلق مساحة سياسية للحكومة اللبنانية لمعالجة المزيد من القضايا المعقدة والحساسة سياسياً". تخلص الدراسة الحاضرة إلى أن هذه المساحة المتوخاة لم تتوسع، بل بالعكس لقد تقلصت خلال فترة الدعم الأمني الأمريكي المعزّز، والتي تزامنت مع زيادة كبيرة في نفوذ حزب الله. تستند الحجة الداعية إلى تقوية الجيش اللبناني في جزء منها إلى فرضية أن الجيش اللبناني هو في حالة تَزَاحُم مع حزب الله على الهيبة والنفوذ.

في عام 2011، أشارت خدمة أبحاث الكونغرس إلى أنه "على المدى الطويل، يأمل المسؤولون الأمريكيون أن يؤدي بناء الجهاز الأمني ​​للدولة اللبنانية إلى تحسين الاستقرار الداخلي والثقة العامة في الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، مما يخلق مساحة سياسية للحكومة اللبنانية لمعالجة المزيد من القضايا المعقدة والحساسة سياسياً والتي تتدرج من الإصلاح السياسي إلى إرساء استراتيجية دفاعية وطنية". بعد عقد من الزمان، في آب 2021، شهدت ميرا ريسنيك، نائبة مساعد وزير الخارجية لشؤون الأمن الإقليمي في مكتب الشؤون السياسية والعسكرية في وزارة الخارجية الأمريكية، أنه "لولا الجيش اللبناني، لكان حزب الله يملأ الفراغ. وهذا بالتحديد عكس ما نود رؤيته في لبنان". أضافت ريسنيك: "الجيش اللبناني هو المدافع الشرعي الوحيد عن السيادة اللبنانية، والمدافع الشرعي الوحيد عن الشعب اللبناني. وهو يعمل كثقل مؤسسي مُواجه لحزب الله، الذي يواصل تعريض الإسرائيليين واللبنانيين للخطر بهجماته الصاروخية غير المسؤولة". وبالمثل، في حزيران 2021، جادلت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي بأن "الجيش اللبناني ييقى ركيزة أساسية للدولة اللبنانية"، حيث يبقى "تماسكه و... مهنيته أساسيان للمحافظة على الاستقرار".

"نظرية التغيير" (تقول ضمنيا): اذا أصبح الجيش اللبناني أكثر قوة، وقدرة تُمكِنُهُ من توفير الاستقرار وتعزيز الأمن للشعب اللبناني بشكل منفصل عن حزب الله، فسوف يزداد الدعم العلني الى الحكومة اللبنانية، سيتم تقويض ادعاء حزب الله بأنه المدافع الأول عن لبنان، وسيخسر حزب الله نفوذه أمام الحكومة القائمة قانوناً.

في الواقع هناك أربع مشاكل تعتري هذه النظرية.

أولاً، وأساساً، تنظر "نظرية التغيير" هذه الى الحكومة اللبنانية وكأنها كيان منفصل عن حزب الله ومُتزاحم معه. في الواقع، يملأ حزب الله وحلفاؤه أغلبية مقاعد مجلس النواب اللبناني، ويملأون التعيينات الوزارية الرئيسية في مجلس الوزراء، وقد لعبوا الدور المركزي، بل وربما الحاسم، في اختيار رؤساء الوزراء. في السنوات التي سبقت ظهور حزب الله كصانع للملوك، أظهر حزب الله مرتين أن بإمكانه إسقاط الحكومات اللبنانية التي عارضته، وأظهر أنه يمتلك سلطة فيتو حقيقي بوجه سياسة الحكومة.

ثانياً، تفترض "نظرية التغيير" الأمريكية أن حزب الله سيُسَلم بفقدان نفوذه أمام الجيش اللبناني المعزّز القوى، وأنه لن يتَحَرَك ضد الجيش اللبناني، ولن يسعى لاستمالته واحتوائه، أو للإتيان بدعم إضافي من إيران يعزّز قدرات الحزب. لقد اتضح بالدليل خلال حملتي عرسال والقلمون أن حزب الله قام باحتواء عمليات الجيش اللبناني ضمن خطط الميدان الخاصة بالحزب. نسق الحزب الإرهابي النشاط بين قواته وقوات الجيش اللبناني، مما سمح لحزب الله بادعاء الفضل لنفسه في نجاحات الجيش اللبناني ضد المسلحين السنة. في غضون ذلك، قام حزب الله باستمالة واحتواء قوات الجيش اللبناني في جنوب لبنان لتقويض اليونيفيل ودعم عملياته الخاصة به ضد إسرائيل. وعلى النطاق الأوسع، استغل حزب الله دوماً عمليات الجيش اللبناني لأهدافه الخاصة، مما أسفر عن نتائج استراتيجية تعود بالنفع دوماً على حزب الله في المقام الأول، فيما تستفيد منها أيضاً الحكومة اللبنانية. لقد أصبح الجيش اللبناني يعمل بصورة أساسية في خدمة مصالح حزب الله منذ أن امتلك (الحزب كما أشارت لينا الخطيب) القوة العسكرية الى جانب سلطة القرار المهيمن على الدولة اللبنانية. يمكن للجيش اللبناني أن يتصرف عندما يصب تصرفه في مصلحة حزب الله، ولكنه لا يمكنه التصرف متى تعارضت مصالحهما.

ثالثاً، تفترض (هذه) النظرية أن الطريقة الفضلى للتقليل من نفوذ حزب الله هي من خلال انشاء كيان مُزاحم له على غرار الجيش اللبناني. لا يبدو أن لدى الولايات المتحدة أية خطة موازية تستهدف خفض وتقليص قوة حزب الله، كأن تفرض عقوبات أكثر صرامة على إيران تحد من قدرتها على مساعدة حزب الله، أو كأن تمنع الدعم الإيراني عند دخوله لبنان، أو كأن تتخذ إجراءات مباشرة ضد حزب الله نفسه.

أخيراً، تفترض (هذه) النظرية أن اللبنانيين ينظرون إلى حزب الله والى الجيش اللبناني النظرة نفسها التي يراهما بها صانعو السياسة الأمريكيون أو التي قد يجتمع حولها اللبنانيون إذا امتلك الجيش اللبناني قدرات أكير. هكذا شهدت ريسنيك، تعتبر الولايات المتحدة الجيش اللبناني "المدافع الشرعي الوحيد" عن لبنان، فيما تنظر إلى حزب الله كطرف "غير مسؤول" لا ينفك يعرّض مواطنيه للخطر من خلال تحرشه المستمر بجاره الإسرائيلي.

على النقيض من ذلك، أظهرت بيانات الرأي العام في عامي 2016 و2017 أن غالبية المستطلعين في لبنان اعتبروا إسرائيل التهديد الخارجي الأساسي ورأوا أن حزب الله هو المدافع الرئيسي عن البلاد ضد التهديدات الخارجية. فيما اعتبروا الجيش اللبناني نوعاً من "الشرطة الفائقة"، يتمثل دوره بمعاونة قوى الأمن الداخلي، في توفير الأمن الداخلي ضد خطر الإرهاب ولمنع الاضطرابات الطائفية أو المدنية. وهذا تصور مترسخ: لاحظت خدمة أبحاث الكونغرس في عام 2011 أن "تصريحات الزعماء اللبنانيين على امتداد الطيف السياسي تدل أن غالبية هؤلاء يرون في إسرائيل التهديد الخارجي الأساسي ضد أمن لبنان". كل هذا يعني أنه حتى لو أسفر الدعمُ الأمريكي عن تقوية الجيشَ اللبناني، فقد لا تندرج هذه القوة ضمن سياق مُواجهة وزن حزب الله، لأن الشعب اللبناني يميل إلى الاعتقاد بأن هاتين القوتين يجب أن تتكاملا، كل قوة من القوتين مع القوة الأخرى.

يقودنا هذا إلى السؤال الثاني: هل هناك دليل على أن الدعم الأمريكي المعزّز للجيش اللبناني منذ عام 2007 قد قلص بالفعل من النفوذ النسبي لحزب الله داخل الدولة اللبنانية؟

هل قَوَّى الدعم الأمريكي الجيش اللبناني أمام حزب الله؟

عزّز الدعم الأمني الأمريكي، كما سبق ذكره في الجزء الأول، قدرات الجيش اللبناني في مكافحة الإرهاب. ولكن، الجيش اللبناني خاض جميع اشتباكاته الرئيسية منذ عام 2007 في وجه الجماعات السنية المتشددة التي كانت معارضة لحزب الله. وبالمثل، إن جميع أعمال مكافحة الإرهاب التي تجري خلف الكواليس والتي يشترك فيها الجيش اللبناني باستمرار مع قوى الأمن الداخلي والمديرية العامة للأمن العام (جهاز المخابرات اللبناني) هي موجهة ضد المسلحين السنة. أما في الجنوب اللبناني، حيث تتطلب مهمة الجيش اللبناني منع حزب الله من الانخراط في نشاط مسلح غير قانوني أو من التسلل إلى المنطقة العازلة، فبدلاً من ذلك لقد كان الجيش اللبناني يتعاون مع حزب الله. وبحسب ما أوردته التقارير، إن أجهزة المخابرات والأمن التابعة للجيش اللبناني تتبادل المعلومات والتعاون الوثيق مع حزب الله، مما يتيح له السيطرة والتحكم فعليا بالوظائف الرئيسية للحكومة.

على نطاق أوسع، وبعيداً من أن يقلص قوة حزب الله داخل الدولة، لقد تزامن عصر الدعم الأمني الأمريكي المعزّز مع تنامي التزايد الكبير في نفوذ الحزب. فاز مرشحو حزب الله لأول مرة في انتخابات مجلس النواب عام 1992، وهي أول انتخابات في لبنان بعد الحرب الأهلية. بعد أن نشأ كميليشيا من الميليشيات الطائفية في الحرب الأهلية اللبنانية، حولت علاقة حزب الله الوثيقة بإيران (وإلى حد ما، بسوريا) هذا الحزب ليس فقط لاعباً عسكرياً نافذاً ولكن أيضاً قطباً لحركة طائفية اجتماعية سياسية أوسع، يوظف تقديمات الخدمات المعيشية وغيرها من أدوات الاقتصاد والسياسة في تعظيم قوة طائفته الشيعية في لبنان.

بحلول أواخر التسعينيات، درج حزب الله على أن يكون قوة فاعلة في الحكومة اللبنانية. منذ عام 2005، شغل الحزب ما معدله ثلاثة مقاعد في كل حكومة. لديه حلفاء من مختلف أطياف السياسة بمن فيهم أحزاب شيعية ومسيحية، ويمتلك علاقات وثيقة مع كبار الزعماء السياسيين، بمن فيهم الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي يرأس في الوقت نفسه حركة أمل، الحليف البرلماني لحزب الله.

وبالتالي، إن الفكرة القائلة بأن تقوية الجيش اللبناني قد تعزّز الحكومة اللبنانية وتقلص من نفوذ حزب الله لا تدعمها أية أدلة، لا بل إن الأدلة تؤشر إلى العكس من ذلك. وكما سبق ذكره، تفترض "نظرية التغيير" في مركز الدعم العسكري الأمريكي أن حزب الله والحكومة اللبنانية كيانان منفصلان ومتعارضان. لكن الواقع يقول إنهما لصيقان، وعلى أرفع المستويات، بوجود أعضاء حزب الله في مجلس النواب اللبناني وفي مجلس الوزراء اللبناني، وبوجود حلفاء حزب الله في منصب رئيس الجمهورية ومنصب رئيس مجلس النواب.

بهذا المعنى، إن البحث عن آثار "سلاح دخان" على تعاون مباشر بين الجيش اللبناني وحزب الله أو تبادل المعلومات الاستخباراتية هو كمن يُضيع الهدف (ولا يسعى وراءه). يمكن لأي قائد أو وحدة في الجيش اللبناني أن يكون مخلصاً للتسلسل القيادي اللبناني، وأن يتبع أوامر الحكومة اللبنانية وحدها، ويلتزم بمبدأ السيطرة المدنية على العسكرية، ويتجنب أي تعاون مع أعضاء حزب الله، ومع ذلك يظل يخدم مصالح حزب الله، طالما أن الحزب الإرهابي هو جزء صميم من الحكومة اللبنانية.

المؤكد أن الظروف السياسية خاضعة للتغير. لقد أشعلت الأزمة التي بدأت في عام 2019 شرارة الغضب على النخبة الحاكمة بأكملها، بمن فيهم حزب الله. شملت الدوافع المسؤولة عن هذا التغيير نزعة حزب الله إلى التورط في سوريا، والانخراط في الفساد والإساءة في الحكم والاخفاق في تخفيف وطأة الأزمة الاقتصادية وأزمة الطاقة المستمرة في لبنان. هاجمت حركة 17 تشرين الأول - وهي حركة معارضة شعبية نشأت خلال الاحتجاجات الهائلة ضد الفساد التي أسقطت الحكومة اللبنانية في عام 2019 - جميع مجموعات المنظومة الحاكمة، بمن فيهم كلٌ مِن تحالُف 8 آذار الموالي لسوريا والموالين لحزب الله كما ولخصومه في تحالف 14 آذار. طوال عام 2021، حصلت حركة 17 تشرين الأول على دعم كبير بين الطبقة العاملة الشيعية، بيئة حزب الله التقليدية، حتى عندما أظهرت الحركة انتقاداً راديكالياً لدور حزب الله داخل الطائفية المؤسسية المريحة للمنظومة السياسية والاقتصادية في لبنان.

بهذا المعنى، إن استراتيجية حزب الله ما بعد عام 1992 في الانخراط والمشاركة والتأثير في سياسات المنظومة ارتدت عليه بنتائج عكسية، ربطت الحزب رباطا لا فكاك منه بفساد المنظومة. أدى ذلك إلى تقويض مكانة حزب الله وسط شعبيته، مما جعله عرضة لانتقاد عابر للطائفة من جماعات مثل 17 تشرين. إن انهيار صدقية الدولة اللبنانية هو ما قد يشكل تهديداً أكبر لنفوذ حزب الله من أي دعم أمريكي للجيش اللبناني. إن خسارة حزب الله وحلفائه للأغلبية البرلمانية في انتخابات أيار 2022 يؤشر إلى أن فقدان ثقة الشعب في المنظومة يقوض من سيطرة الحزب على الحكومة.

ومع ذلك، ونظراً لانخراط حزب الله العميق في الكثير من جوانب الدولة الإدارية اللبنانية، إضافة لنفوذه المستمر - مباشرة أو من خلال حلفائه - في مجلس النواب، فقد يثبت حزب الله مرة أخرى قدرته على تثبيت سلطته السياسية رغم الغضب الشعبي الواسع. وعلى مستوى آخر لا يقل أهمية عن مستوى نفوذ حزب الله داخل الدولة، ربما لم يوجد فصيل سياسي آخر مُزاحم، لديه قوة عسكرية مماثلة أو راع أجنبي يغدق الدعم كإيران، فيما يظل الشيعة جزءاً من تعددية نسيج السكان اللبنانيين.

ما تكشفه بيانات تَحَرُك الهواتف المحمولة

بينما يظل التحليل النوعي لطبيعة البيانات المفتوحة المصدر أمراً لا غنى عنه، إن البيانات التي يمكن ملاحظتها عن بُعد قد تؤكد (أو تدحض) بصورة منفصلة، الاستنتاجات بناءً على مقاربة تقليدية. إن البيانات التي تم جمعها لهذا التقرير تَميلُ نحو التأكيد (أكثر مما تَميلُ نحو النفي). توفر بيانات التَحَرُك المغفلة المصدر معلومات موضوعية عن المواقع التي يتردد اليها أفراد الجيش اللبناني وحزب الله، وتوضح كيف تتداخل أنماط تَحَرُك الهواتف المحمولة المعروفة للجيش اللبناني مع تلك المتعلقة بالهواتف المعروفة لحزب الله.

ما تُظهره بيانات الهواتف المحمولة هو الجيش اللبناني الذي يتسوق أعضاؤه في نفس الأسواق ويزورون نفس المقاهي ويسبحون على نفس الشواطئ مع مُقاتلي حزب الله. تُظهر البيانات أيضاً كيف يسمح الجيش اللبناني لمقاتلي حزب الله بالتَحَرُك بحرية في جميع أنحاء أراضيه بينما هو نفسه مقيد بممرات تَحَرُك محددة داخل المناطق التي يسيطر عليها حزب الله. تُظهر البيانات أن الجيش اللبناني يسمح لحزب الله بالسيطرة بدون منازع على نقاط الدخول الجوية والبحرية الرئيسية إلى لبنان، ولا سيما مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت ومرفأ بيروت. هذه البيانات، التي تغطي فترة عامين منذ أوائل عام 2020 حتى أواخر عام 2021، تصور وضعاً يتبع أربعة عشر عاماً من الدعم الأمني الأمريكي المعزّز. تحسنت قدرات الجيش اللبناني خلال تلك الفترة، إلا أن هذه البيانات تؤشر إلى عدم وجود قدرة معزّزة على مُزاحمة (لنترك مُواجهة) حزب الله.

يصف الملحق بمزيد من التفصيل المنهجية المطبقة لهذا التحليل. إجمالاً، أجرى القائم بالبحث تحليل 178486 من نقاط البيانات. في ضوء القيود الفنية المبينة في الملحق، يجب اعتبار النتائج الواردة أدناه نتائج إيحائية وليست نهائية.

الخلاصة 1: حضور الجيش اللبناني محدود على الحدود الجنوبية والشرقية للبنان

رغم أن أمن الحدود هو أحد الأهداف الأربعة المعلنة للدعم الأمريكي، تؤشر البيانات إلى أن الجيش اللبناني ليس حاضرا بكثافة في مناطق الحدود الجنوبية والشرقية للبنان. يتماشى هذا مع الدليل النوعي الذي يؤشر الى أن الجيش اللبناني لا يفي بالتزاماته بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1701 في المنطقة الحدودية الجنوبية للبنان. وكما يتبين على تراكب الخريطة الحرارية لجميع مواقع الجيش اللبناني وحزب الله (الشكل 1)، تُظهر المنطقة الجنوبية حضوراً كثيفاً لحزب الله ولكن لا حضور تقريباً للجيش اللبناني. وبالمثل، تُظهِر مناطق بعلبك- الهرمل والبقاع على طول الحدود الشرقية للبنان مع سوريا حضور حزب الله في السهول الرئيسية، وتركيزاً كثيفاً لحضور الجيش اللبناني في البقاع الشمالي، وأربعة مواقع للجيش اللبناني في المنطقة الحدودية، إنما بدون حضور يُذكر للجيش اللبناني على الحدود نفسها. هذا يتوافق مع التاريخ العملياتي المعروض في الجزء الاول، الذي يؤشر الى ان حزب الله يهدف للهيمنة على الحدود الفعلية بسبب علاقته مع "الجيش العربي السوري" والقوات الإيرانية على الجانب السوري من الحدود.

شكل 1. خريطة عامة لتَحَرُك الجيش اللبناني وحزب الله في لبنان

ملاحظة: هواتف حزب الله باللون الأحمر. هواتف الجيش اللبناني باللون الأزرق

الخلاصة 2: حزب الله والجيش اللبناني ليسا منفصلين اجتماعيا

تؤشر أنماط التَحَرُك العامة على مستوى البلاد المبينة في الشكل 1، بالتوازي مع أنماط التَحَرُك الخاصة بالمدينة المبينة أدناه (انظر الشكل 2 لبيروت والشكل 3 لطرابلس)، إلى تداخل كبير بين الجيش اللبناني وحزب الله في البيئات الاجتماعية. وكما تشير بيانات بيروت، إن أعضاء الجيش اللبناني يتسوقون في نفس الأسواق ويزورون نفس المقاهي ودور السينما ويتجولون في نفس الشوارع ويسبحون على الشواطئ نفسها التي يرتادها أعضاء حزب الله. يتماشى هذا مع النتيجة أعلاه التي تفيد بأن حزب الله ليس كياناً منفصلاً ومتميزاً يتزاحم على النفوذ أو السيطرة مع الجيش اللبناني والحكومة اللبنانية. على العكس من ذلك، إن حزب الله جزء من المجتمع اللبناني والحكومة اللبنانية.

الخلاصة 3: لا أثر "سلاح دخان" على تواطؤ حزب الله والجيش اللبناني

على الرغم من الحضور المشترك لهواتف الجيش اللبناني وحزب الله في أماكن المناسبات الاجتماعية، إلا أن الهواتف لا تتداخل بشكل عام في أماكن وأوقات الأحداث القتالية المعروفة أو غيرها من الحوادث الأمنية. وبالتالي، لا يمكن الاستدلال على قيام تعاون الجيش اللبناني وحزب الله من معطيات التَحَرُك المتوفرة (بمستوى الدقة الحالي، الذي نوقش في الملحق). هذا لا يعني عدم حدوث مثل هذا التواطؤ. كما سبقت الإشارة، خلال معركة عرسال عام 2014 وحملة القلمون عام 2017، أشارت التقارير الميدانية والتغطية الإعلامية إلى حصول تواطؤ. في عام 2018، أفادت اليونيفيل بوجود تواطؤ بين الجيش اللبناني وحزب الله لمنع تحقيقات الأمم المتحدة في أنفاق حزب الله عبر الحدود. من الممكن أن تقدم حادثة مستقبلية دليلاً على التواطؤ من خلال تحليل بيانات التَحَرُك. ولكن، في الوقت الحالي، إن الدليل النوعي هو الذي يؤيد فرضية التواطؤ.

شكل 2. تَحَرُك الجيش اللبناني وحزب الله في بيروت

ملاحظة: هواتف حزب الله باللون الأحمر. هواتف الجيش اللبناني باللون الأزرق

شكل 3. تَحَرُك الجيش اللبناني وحزب الله في طرابلس

ملاحظة: هواتف حزب الله باللون الأحمر. هواتف الجيش اللبناني باللون الأزرق

الخلاصة 4: يبدو أن حزب الله يتمتع بقدر أكبر من حرية تَحَرُك الجيش اللبناني

تشير معطيات التَحَرُك إلى أن هواتف حزب الله تنتقل بحرية أكبر في جميع أنحاء لبنان مقارنة بهواتف الجيش اللبناني. لاحظ، مثلا، أن هواتف حزب الله تزور بصورة منتظمة طرابلس (الشكل 3) وصيدا (الشكل 4)، وكلاهما مدينتان ذات أغلبية سنية وفيهما حضور كثيف للجيش اللبناني. على النقيض من ذلك، إن هواتف الجيش اللبناني غائبة عن مساحات شاسعة من أراضي حزب الله، كما هو الحال في جنوب لبنان. في معاقل حزب الله الأخرى، مثل بعلبك، موقع مقر رئيسي لحزب الله (الشكل 5)، لا يمكن التعرف على هواتف الجيش اللبناني إلا على الأوتوستراد السريع. لاحظ أيضاً الكثافة العالية لحضور حزب الله في مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت وعلى الطرق المحيطة به وفي محيط المطار، مقارنةً بحضور الجيش اللبناني المحدود للغاية في هذه المناطق (الشكل 2). تعزّز هذه الملاحظة التقارير الصحفية التي تشير إلى سيطرة حزب الله القوية على المطار رغم المحاولات (بما فيها من ضغط أمريكي) لحث الجيش اللبناني على كبح جماح حزب الله.

شكل 4. تَحَرُك الجيش اللبناني وحزب الله في صيدا ذات الغالبية السنية

ملاحظة: هواتف حزب الله باللون الأحمر. هواتف الجيش اللبناني باللون الأزرق

شكل 5. تَحَرُك الجيش اللبناني وحزب الله في بعلبك الخاضعة لسيطرة حزب الله

ملاحظة: هواتف حزب الله باللون الأحمر. هواتف الجيش اللبناني باللون الأزرق

بشكل عام، إن بيانات التَحَرُك تشير بقوة إلى أن الجيش اللبناني لا يواجه حزب الله ولا يزاحمه. يتداخل كلا الكيانين بشكل كبير من حيث التَحَرُك في جميع أنحاء لبنان، ولكن في حين أن حضور الجيش اللبناني محدود للغاية في المناطق الحساسة لحزب الله - كمناطق الحدود والمطار والمناطق القريبة من مقرات حزب الله في بعلبك وبيروت - فإن حزب الله يتمتع بقدرة التَحَرُك بحرية في المناطق الخاضعة للجيش اللبناني. أعضاء كلا المنظمتين يتسوقون ويختلطون ويعيشون في نفس المناطق، ولا يوجد ما يشير إلى قيام صراع أو تزاحم بينهم بالمعنى الاجتماعي. وعلى الرغم من عدم وجود أدلة قاطعة على قيام التواطؤ بين الجيش اللبناني وحزب الله، إلا أن هذه البيانات تؤشر أيضاً إلى أن نظرية "الثقل المواجه" الجاري على أساسها الدعم الأمريكي غير مثبتة بالدليل.

الجزء الثالث: التداعيات على سياسة الولايات المتحدة المستقبلية

لا يزال لبنان واقعا في أزمة يعاني منها، مما يحد من إمكانية توقع أي تحسن في النتائج بمعزل عن التغيرات في السياسة الأمريكية. بدلاً من التمسك بسياستها الحالية، يجب على واشنطن أن تتراجع عن نظرية الثقل المواجه التي سادت لمدة 15 عاماً.

أزمة لبنان تتفاقم

أدت الاحتجاجات التي أسقطت الحكومة اللبنانية في عام 2019 أيضاً إلى اشتباكات عنيفة وضعت الجيش اللبناني في موقف لا يحسد عليه بِفَرضِهِ النظام العام ضد شعبه الخاص. خلال الاحتجاجات، جهدت قوى الأمن الداخلي في أداء دورها البوليسي وتراجَعَ حزب الله عموما الى الخلف، تاركاً للجيش اللبناني أن يتحمل وطأة الاشتباكات. تفاقمت الأزمة طوال شتاء 2019-2020، حيث أخفقت النخب السياسية اللبنانية مراراً في اجتراح التَوَافُق على الإصلاحات الاقتصادية والسياسية. تسبب فيروس كورونا في مزيد من الاضطراب في عام 2020. أدى الانفجار الهائل في مرفأ بيروت في 4 آب 2020 إلى مقتل 200 شخص وجرح الآلاف وتدمير المرفأ والمناطق المحيطة به. شكلت (هذه الأمور) الدافع خلف اضطرابات كبيرة وأسهمت في انكشاف سيطرة حزب الله فعليا على المرفأ والفساد الهائل وانعدام كفاءة سيطرة الحزب على المرفأ. أسقطت تداعيات الانفجار حكومة أخرى، واستغرق السياسيون اللبنانيون أكثر من عام لتشكيل حكومة جديدة.

في تشرين الأول 2021، حَرّضَ حزب الله وحليفه حركة أمل على الاحتجاج في محاولة لإزاحة قاضٍ كان من المرجح أن تُورِط تحقيقاته في انفجار المرفأ عام 2020 حزب الله وأعضاء آخرين في الحكومة. اندلعت اشتباكات طائفية بين عناصر حزب الله وميليشيا أمل مع خصومهم السياسيين وميليشيا مسيحية مناهضة للحزب، أسفرت عن مقتل ستة أشخاص وجرح 30 آخرين على الاقل. بعد ساعات على إطلاق النار والاقتتال في الشوارع، تَدَخَلَ الجيش اللبناني لضبط الأمن في المنطقة وداهم عدة مواقع في بيروت بحثا عن مسلحين. وسعى الجيش اللبناني في التوسط بين الأطراف المسلحة. أدان الرئيس عون جميع أطراف العنف (بمن فيهم حليفه البرلماني حزب الله) وأعلن أن التحقيق في الانفجار سوف يستمر.

قبل اندلاع العنف الطائفي، أذن الرئيس جو بايدن في أيلول 2021 بالإفراج عن مبلغ إضافي قدره 47 مليون دولار "لتقديم دعم فوري للجيش اللبناني". عندما اندلعت أعمال العنف في منتصف تشرين الأول، صودف حضور وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية، فيكتوريا نولاند، في بيروت للإعلان عن مزيد من الدعم للجيش اللبناني، وبذلك يصل المجموع لعام 2021 إلى 187 مليون دولار. تبع ذلك مزيد من الدعم خلال شتاء 2021-2022، حيث تم تخصيص 67 مليون دولار من التمويل العسكري الأجنبي لدعم الجيش اللبناني.

مخاطر المقاربة التدرجية

اتبعت حكومة الولايات المتحدة مقاربة غير مباشرة للتعامل مع أزمة لبنان، بالاعتماد بشكل كبير على فرنسا ودول الخليج والأردن ومصر، كما وعلى مؤسسات دولية كصندوق النقد الدولي. إلا أن هذه المقاربة تخاطر باستدراج ردود تدرجية تتفاعل مع الأزمة بدلاً من أن تعالج قضايا لبنان كجزء من الحل المستدام الطويل الأمد. لذلك، الآن هو الوقت الأفضل لأجل إعادة النظر في الدعم الأمريكي للجيش اللبناني، وخاصة الدعم الأمني المعزّز الذي تمت صياغته في ظل ظروف مختلفة جذرياً قبل حوالي 15 عاماً.

إن صُنع السياسة وسط الأزمات أمر لا مفر منه في السياسة الخارجية. يساعد الدعم الأمني، بصورة خاصة، الشركاء (الدوليين) على مجابهة القضايا التي تفوق قدراتهم، والتي غالباً ما تظهر خلال الأزمات. ومع ذلك، من الضروري ان يتم تجاوز المخاوف الآنية لأزمة 2019-2021، واحتساب نتائج الدعم الأمريكي المعزّز منذ عام 2007، وتقييم الدعم الأمريكي للجيش اللبناني من ضمن استراتيجية أوسع للبنان وللمنطقة.

كما سبقت الإشارة، تسعى برامج الدعم الأمريكي في لبنان أولا إلى تقوية الكيانات التي قد تُسعف في مُواجهة إيران، وتخفيف المخاطر التي يُشكلها حزب الله، وخلق الاستقرار في الاقتصاد اللبناني والحكومة اللبنانية. تُولي وزارة الخارجية الأمريكية اهتماماً وثيقاً لتَتَبُع الاستخدام النهائي من أجل "التحقق من الاستخدام النهائي والمساءلة وأمن مواد وخدمات الدفاع والتدريب المقدم بموجب الدعم القائم على مِنَح وبرامج المبيعات العسكرية الأجنبية، منذ التسليم وأثناء الاستخدام وحتى التخلص الأخير منها، احتمالا". تقول وزارة (الخارجية الأمريكية) أنه حتى في خضم الأزمة الحالية، "يواصل الجيش اللبناني الامتثال الكامل لجميع متطلبات EUM تقديم التقارير وتوفير الأمن لمراقبة الاستخدام النهائي". في الوقت نفسه، إن خطر نقل الأسلحة الأمريكية المخصصة للجيش اللبناني إلى حزب الله أو جماعات إرهابية أخرى فيما لو انهارت الحكومة أو حدثت اضطرابات أوسع لا يزال خطراً حقيقياً. أيا تكن القرارات الأخرى التي يتم اتخاذها، إن اشتراط تقديم شهادة مراقبة الاستخدام النهائي السنوية التي اشترطها الكونغرس للدعم الأمريكي الى لبنان يظل شرطا عظيم الأهمية.

لكن من الواضح أن الأمر الأسوأ الذي يمكن أن يحدث بشأن نقل الأسلحة أو انتشارها - كما أثبتت التجربة الأخيرة في أفغانستان - هو الانهيار الكلي أو الجزئي للدولة اللبنانية، مما يؤدي إلى تدفق الأسلحة والأفراد المدربين من الجيش اللبناني المنقسم الى الميليشيات الطائفية. لم يحدث مثل هذا الانهيار أثناء الحرب الأهلية اللبنانية من 1975-1990، إلا أن منعه كان هدفاً رئيسياً للحكومة الأمريكية طوال ذلك الصراع. بعد 15 عاماً من الدعم المعزّز وعمليات النقل الكبيرة للأسلحة المتطورة إلى الجيش اللبناني، وعلى خلفية تنامي قوة حزب الله، لقد أصبح اليوم الخطر من انهيار الدولة اللبنانية خطراً أعظم أهمية أكثر بعد.

إنهاء نظرية "الثقل المواجه" في دعم الجيش اللبناني

من الأهمية بمكان إدراك أن "نظرية التغيير" التي على أساسها يجري الدعم الأمريكي – القائلة إن الدعم المعزّز للجيش اللبناني سيحسن الأداء القتالي للجيش اللبناني ويمكّنه من العمل كثقل مُواجه لحزب الله – لم يتم التحقق من صلاحيتها الا جزئيا فقط، وفق أحسن التقديرات. إن الأداء القتالي للجيش اللبناني، كما سبق ذكره في الجزء الأول، قد تحسن بالفعل مع مرور الوقت، ويرتبط هذا التحسن ارتباطاً وثيقاً بالدعم الأمني الأمريكي المعزّز. لكن هذا الامر ينطبق فقط ضمن سياق ضيق من المهام – يتمثل في المقام الأول، في مُواجهة الجماعات الإرهابية السنية والتي تعارض حزب الله أيضاً. أما في المهام التي تتعارض مع مصالح حزب الله (كالعمل مع اليونيفيل لتأمين الخط الأزرق)، فإن الجيش اللبناني كان أقل فاعلية بكثير ولم يُظهر سوى القليل من التحسن أو لم يُظهر أي تحسن.

الحقيقة القاسية هي أنه بعيداً عن مُواجهة وزن حزب الله من خلال تقوية الدولة اللبنانية، إن الدعم الأمريكي المعزّز منذ عام 2007 قد تَزامَنَ مع زيادة كبيرة في نفوذ حزب الله، لدرجة أن الحزب الإرهابي أصبح الآن جزءاً صميماً على أرفع المستويات داخل الدولة اللبنانية. لا يمكن للجيش اللبناني المتنامي القوة الذي يخدم الجمهورية اللبنانية مُواجهة وزن حزب الله إذا كانت تلك الجمهورية تعمل تحت سلطة فيتو حقيقي لحزب الله أو مشلولة بسبب نفوذ الحزب.

الاستنتاجات والتوصيات

أدى عقد ونصف من الدعم العسكري الأمريكي المعزّز إلى تحسين الأداء القتالي للجيش اللبناني، لا سيما في مجال مكافحة الإرهاب. يتضح هذا التقدم من التناقض الجلي بين حملة نهر البارد الصعبة والمتهالكة في عام 2007، وبين النجاح الجزئي في عرسال في عام 2014، وأخيراً مناورة الجيش اللبناني الكفؤة بالأسلحة المشتركة والعمليات الفعالة لمكافحة داعش خلال حملة القلمون عام 2017. وكذلك في التعامل مع إزالة المتفجرات من مخلفات الحرب، بما فيها إزالة الألغام والتخلص من الذخائر، أدى الدعم الأمريكي إلى تحسين أداء الجيش اللبناني وتعزيز سلامة المدنيين في أجزاء رئيسية من البلاد.

ومع ذلك، تُظهر جهود الجيش اللبناني بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1701 حدود الدعم العسكري: أظهر الجيش اللبناني نمطاً واضحاً للتغطية على تسلل حزب الله، وعرقلة جهود الأمم المتحدة لمراقبة الحدود الجنوبية للبنان، ومنع اليونيفيل من التحقيق في نشاط حزب الله. توضح العلاقة المختلة بين الجيش اللبناني واليونيفيل، على عكس نظرية "الثقل المواجه"، كيف أن الدعم الأمريكي للجيش اللبناني لا يفعل شيئاً يُذكر لتقوية الدولة اللبنانية على حساب (مصالح) حزب الله. يضمن نفوذ حزب الله على مؤسسات الحكومة أن الجيش اللبناني لا يهدد المصالح الحيوية للحزب. وبالتالي، تركز عمليات مكافحة الإرهاب في الجيش اللبناني على الجماعات الجهادية السنية التي تعارض حزب الله أيضاً. من المرجح أن عمليات الجيش اللبناني حول عرسال وأثناء هجوم القلمون كانت بالتنسيق مع حزب الله. في التحليل الأخير، إن النظرية التي استند إليها الدعم الأمريكي المعزّز - تقوية دولة لبنانية غير طائفية تُزاحِم حزب الله على النفوذ - لم تعد نظرية صالحة بعد اليوم، فيما لو كانت صالحة يوما.

لقد عانى حزب الله من نكسات كبيرة، إلا أنها في الغالب مِن صُنعِهِ بنفسه وليس نتيجة الدعم الأمريكي للجيش اللبناني. في عملية استمالة واحتواء الحكومة اللبنانية، أصبح حزب الله جزءاً من المنظومة الفاسدة التي يحتج عليها الآن الناس في الشوارع (بمن فيهم العديد من أنصار حزب الله السابقين). أظهرت مغامرات الحزب العسكرية في سوريا بعد عام 2013 أن حزب الله وكيل إيراني وليس مُدافعاً عن كل اللبنانيين ضد إسرائيل. الهجمات الصاروخية التي شنها حزب الله على إسرائيل، وبعيداً عن أن تكسبه التأييد الشعبي، أدت إلى قيام السكان المحليين بضرب واحتجاز فريق الصواريخ التابع لحزب الله في آب 2021 كجزاء على المخاطرة باستدراج رد انتقامي إسرائيلي. في ذلك الحادث، كان على الجيش اللبناني التدخل لإنقاذ طاقم حزب الله البائس.

منذ اندلاع الأزمة اللبنانية المتعددة المراحل في عام 2019، تحَمّلَ الجيش اللبناني وطأة الغضب الشعبي ضد النخب المترسخة (بمن فيهم حزب الله) التي أشعلت فتيل الأزمة. وبالتالي، بعيداً عن أن يُسعف الدعم الأمريكي للجيش اللبناني منذ عام 2007 على مُواجهة وزن حزب الله، ربما أسعف (هذا الدعم) حزب الله على تجنب بعض أسوأ العواقب على قراراته المتهورة.

مع وضع هذه الاستنتاجات في الاعتبار، تبدو التوصيات التالية ملائمة للحال:

1.   استمرار اشتراط تقديم الشهادة السنوية (مراقبة الاستخدام النهائي) حول نقل وانتشار الأسلحة المقدمة من الولايات المتحدة لضمان عدم نقلها إلى حزب الله أو منظمات إرهابية أخرى. وسواء استمرت الحكومة الأمريكية في تقديم الأسلحة إلى الجيش اللبناني أم لا، إن مخزون القوة الحالي سيتطلب تَتَبُعا مستمرا للاستخدام النهائي، وقد يرغب الكونغرس في أن يطلب الى مكتب المحاسبة الحكومي إعادة التحقق من فعالية ذلك التَتَبُع.

2.   التفكير بإعادة تصويب الدعم لغير الجيش اللبناني في منطقة مسؤولية اليونيفيل حيث يُنظر إليه باعتباره غطاء (لنشاط) حزب الله، وبالتالي توظيف ذلك الدعم في استخدامات أكثر فعالية.

3.   الاستمرار في التخلص من إزالة المتفجرات من مخلفات الحرب وسائر الأنشطة المفيدة للشعب اللبناني، إنما مع اشتراط ربط الدعم المستقبلي بإجراءات تَتَبُع مستقلة للتحقق من أن الجيش اللبناني لا يعاون تنظيمات حزب الله التي تقوم بتخزين الذخائر تحت ستار إزالة الألغام.

4.   التخلي عن نظرية الثقل المواجه المعطاة للجيش اللبناني والتركيز بدلاً منها على إضعاف حزب الله مباشرة عبر منع الدعم الإيراني والسوري للحزب، وعبر إبقاء أو زيادة العقوبات على الرعاية الإيرانية لحزب الله؛ وعبر التحالف مع العناصر المناهضة للفساد، والعناصر من غير حزب الله، والعناصر المناهضة لحزب الله في الحكومة المدنية؛ وعبر رفع الأصوات المناهضة للفساد داخل حركة المعارضة، التي تستهدف احتجاجاتها حزب الله مثله مثل العناصر الأخرى في المنظومة اللبنانية.

كدولة على خط المواجهة في الصراع المستمر مع الإرهاب السَلَفي الجهادي في سوريا وأماكن أخرى، يُعتبر لبنان لاعباً إقليمياً مهماً. ومع زيادة نفوذ حزب الله واستمراره في توسيع ترسانته، يظل خطر اندلاع حرب أخرى بين إسرائيل وحزب الله أو اندلاع حرب إقليمية أوسع، خطراً حقيقياً. لهذين السببين، إن الالتزام العسكري الأمريكي مع الجيش اللبناني له غرض منطقي، ويجب أن يستمر، لأنه يتيح إلقاء نظرة فاحصة على عملية صنع القرار اللبناني والوصول إلى الزعماء المؤثرين على القرار. ولكن كما سبق ذكره في هذه الدراسة، تشير الأدلة إلى نتائج مختلطة في أفضل الأحوال لبرنامج الدعم المعزّز كما هو قائم منذ عام 2007. في خضم الأزمة الممتدة في 2019-2021. الآن هو الوقت المناسب لمراجعة إعادة نظر في العناصر الرئيسية للبرنامج من أجل إعادة تركيزها.

الملحق: منهجية تحليل أنماط التَحَرُك

يستخدم تحليل أنماط التَحَرُك في هذه الدراسة أداةً تدمج خدمات المواقع من تطبيقات الهواتف الذكية مع بروتوكول عناوين الإنترنت (IP). تتطلب الأداة موقعاً واحداً معروفاً على الأقل لهاتف معين إلى جانب معلومات التَحَرُك الجانبية أو بيانات أنماط الحياة. هذا يُمكنّه من تَتَبُع حركة هاتف معين في الزمن (خلال الـ 1.5 سنة الماضية) حتى الوقت الحاضر. يُمكنّه أيضاً من تَتَبُع الموقع الحالي للهاتف في الوقت الحقيقي تقريباً (24 ساعة تقريباً عن وقت إجراء البحث). يفحص التحليل 178486 من نقاط البيانات المرتبطة بـ 24 هاتفاً لبنانياً على مدار عامين. يوضح الشكل 6 عدد نقاط البيانات لكل من هذه الهواتف.

شكل 6. توزيع بيانات الموقع عن طريق الهاتف الذي تم فحصه

تتيح الأداة للمحللين تحديد بيانات حركة الاتجاه التي تُظهر نقطة المنطلق واتجاه التَحَرُك والوقف أو التوقف على طول مسار التَحَرُك. يمكنها البحث ضمن مواقع منفردة أو متعددة مسيجة بسياجات جغرافية، يصل نصف قطرها لـ2500 متر. تكشف عمليات البحث أية هواتف موجودة داخل السياج الجغرافي المحدد خلال إطار زمني محدد، وتؤشر عليها بعلامة تُميِزُها. تسمح الأداة للمحللين بضبط "فلترة الإشارات" لتضييق عمليات البحث وتعيين خطوط الطول والعرض، وتحديد رقم مُعَرف هوية المستخدم وعنوان الموقع IP، والتاريخ والوقت، وأية حالات شاذة تمت ملاحظتها على هاتف معين في الموقع المعين.

في هذه الدراسة، استخدم القائم بالبحث وظيفة تحديد المواقع الجغرافية، ووظيفة ضبط الفلترة، في عملية من ثلاث خطوات لتثليث مواقع وتَحَرُكات الهواتف المحمولة التي تشير البيانات الجانبية إلى أنها من المحتمل أن تكون تابعة لحزب الله أو الجيش اللبناني.

كانت الخطوة الأولى هي تحديد المواقع التي يمكن الاعتقاد بشكل معقول أن أي هاتف محمول موجود فيها خلال فترات زمنية معينة سيكون هاتفاً مرتبطاً بحزب الله أو الجيش اللبناني. تضمنت تلك المواقع فيما خص الجيش اللبناني، ثكنات الجيش اللبناني والقوات الجوية إضافة لمقر قيادة الجيش اللبناني في اليرزة، وفيما خص حزب الله، منطقة الضاحية الجنوبية الشرقية لبيروت. ونظراً لأن مواقع معظم ثكنات حزب الله سرية، ونظراً لانتشار مثل هذا النمط الكثيف لمواقع حزب الله في بعض أنحاء لبنان، كانت العملية أكثر تعقيداً. هكذا، وباستخدام البيانات الجانبية، حدد المحللون مواقع الكثير من الثكنات (بما فيها الثكنة المبينة أدناه في الشكل 7، والتي حددتها التقارير الإعلامية)، ولكن لم يتم اكتشاف أية هواتف تقريباً ("زيارات") في هذه الثكنات. يشير هذا الى ان عناصر حزب الله في هذه المواقع كانوا على دراية بالمراقبة وقد قاموا بإلقاء أو إخفاء هواتفهم المحمولة قبل الاقتراب من هذه المواقع.

شكل 7. نشاط حزب الله لتحديد المواقع الجغرافية لتحديد الهواتف المرتبطة بحزب الله

قاعدة جوية لحزب الله في البقاع الشمالي حددتها التقارير الإعلامية (الصورة والتعليق Atlantic Council، على اليسار) وتحديد موقع الثكنة عبر Google Earth (على اليمين). تقع الثكنة على بعد حوالي 90 ميلاً شمال نهر الليطاني، وهي تبعد كثيرا عن منطقة مسؤولية اليونيفيل.

بالإضافة إلى ثكنات حزب الله، حدد القائم بالبحث أيضاً أماكن جغرافية كان من المعروف أن نشاطات لحزب الله حدثت فيها في تواريخ وأوقات محددة على مدار الثمانية عشر شهراً السابقة. تضمن تحليل بيانات الأحداث هذا هجمات أو مظاهرات أو مآتم ومواقع مأخوذة من قاعدة بيانات مسربة عن منشآت يًقال انها لإنتاج وتخزين صواريخ حزب الله في بيروت. في المجموع، حدد القائم بالبحث 79 حدثاً شارك فيها أعضاء في حزب الله و18 موقعاً إضافياً مرتبطاً بحزب الله (كالثكنات ومنشآت الإنتاج أو مواقع حزب الله الأخرى).

كانت الخطوة الثانية هي تحديد جميع الهواتف المحمولة المعروف أنها زارت هذه المواقع. في بعض الحالات، كثكنات الجيش اللبناني وحزب الله، كان بروتوكول القائم بالبحث هو معاملة كل حساب (رقم تلفون) يتردد الى تلك المواقع (الثكنات) في أي وقت باعتباره هاتفاً مرتبطاً (يتبع لتلك المواقع). أما في الحالات الأخرى المأخوذة من أحداث (كالمآتم)، فقد فتشت معايير المواقع الجغرافية، ضمن الموقع المعني، بحثاً عن الزيارات اليه خلال فترة وقوع الحدث الجاري تَتَبُعِهِ (لتحديد وتصنيف زائريه).

كانت الخطوة الثالثة هي التحقيق في أي حساب (رقم تلفون) كان موجوداً في هذه المواقع خلال تلك الأوقات (بهدف تأكيد أو نَفي ارتباطه بالجيش اللبناني او بحزب الله). كان هذا واضحاً بالنسبة لحسابات (أرقام تلفون) الجيش اللبناني: حدد القائم بالبحث 14 هاتفاً محمولاً كانت موجودة داخل ثكنات الجيش اللبناني لفترة طويلة، مما يشير إلى أنها تخص أفراد الجيش اللبناني. بالنسبة لحزب الله، حدد القائم بالبحث 104 هواتف كانت موجودة في مواقع معينة مرتبطة بحزب الله، لكن (القائم بالبحث) حذف 94 منها بعد تحليل أولي لأن أنماط حركتها تؤشر إلى أنها ربما مرت عبر تلك المواقع لأسباب لا صلة لها بنشاط حزب الله.

شكل 8. مراجعة نتائج أنماط التَحَرُك للعينة الإجمالية

ملاحظة: هواتف حزب الله باللون الأحمر. هواتف الجيش اللبناني باللون الأزرق

قدمت أنماط تَحَرُك الهواتف المستنتج ارتباطها بحزب الله والجيش اللبناني تأكيداً على جهة ارتباط هذه الهواتف. كما هو مبين في الشكل 8 أعلاه، تركزت الهواتف المرتبطة بحزب الله في المناطق المعروفة بأنها معاقل حزب الله (كالضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع وجنوب لبنان)، بينما كانت الهواتف المرتبطة بالجيش اللبناني موجودة في المناطق المتوقع وجود حسابات (أرقام تلفون) للجيش اللبناني فيها (مدينة صيدا، وسط بيروت، وسط طرابلس، ومحيط مقر الجيش اللبناني قرب زحلة). قدمت هذه النتائج تأكيداً أولياً خشناً للتحليل الأولي الذي حدد الهواتف المحتملة لحزب الله وللجيش اللبناني.

هذه النتائج إيحائية وليست نهائية. من الممكن تقنيا تحديد الارتباط القطعي لكل هاتف من هذه الهواتف بعضو محدد من حزب الله أو الجيش اللبناني وتحديد الأعضاء المعينين من خلال ربط أماكن سكنهم المعروفة (التي يمثلها متوسط ​​موقع منتصف الليل لكل هاتف أثناء الفترة الزمنية المرصودة) بالمعلومات الجانبية (كسجلات العناوين، تراخيص المركبات، وسائل الاتصال الاجتماعي) لهذا الموقع. ولكن، بالنظر الى أن لبنان منطقة نزاع حالية وربما مستقبلية حيث من المرجح أن يستهدف الإرهابيون والأجهزة الحكومية على السواء الأفراد الذين تنشر انتماءاتهم بهذه الطريقة، فقد تم اتخاذ قرار أخلاقي بعدم ربط الهواتف بالأفراد الذين يمتلكونها. إضافة إلى ذلك، يتم عرض البيانات هنا في شكل خرائط حرارية توضح تركيز هواتف حزب الله والجيش اللبناني بدلاً من مسارات تَحَرُك الهاتف المحددة. هذا لمنع استهداف أي فرد أو هاتف بنتيجة هذا البحث.